خاص| 53 مليار دولار تكلفة إعادة إعمار غزة.. ومصور صحفي فلسطيني: المعاناة الإنسانية تتجاوز الأرقام والإحصائيات – خليجي نيوز

بينما تكشف أرقام الأمم المتحدة عن حجم الدمار الهائل في قطاع غزة والحاجة إلى 53 مليار دولار لإعادة الإعمار، يروي مصور صحفي فلسطيني لـ”الاقتصاد اليوم” تفاصيل مؤلمة عن تجربته الشخصية في قلب هذا الجحيم، مسلطًا الضوء على المعاناة الإنسانية التي تتجاوز الأرقام والإحصائيات.
غوتيريش: تكلفة الإعمار تتجاوز 53 مليار دولار
أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير حديث، أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) “ستظل المزود الرئيس والعمود الفقري للمساعدات الطارئة في غزة”، وفق “العربية”.
جاء تأكيد “غوتيريش” في ظل تقرير بالغ الأهمية أعده بناءً على طلب الجمعية العامة، كشف فيه عن التقديرات الأولية لتكلفة احتياجات الإنعاش وإعادة الإعمار في قطاع غزة، والتي بلغت 53.142 مليار دولار.
وأوضح التقرير الأممي أن هذا المبلغ الضخم يشمل التمويل الضروري على المدى القصير والمتوسط والبعيد؛ حيث يقدر التمويل المطلوب للأعوام الثلاثة الأولى فقط بنحو 20.568 مليار دولار.
وأقر التقرير بصعوبة إجراء تقييم شامل وكامل للاحتياجات في ظل الظروف الراهنة بغزة، إلا أنه قال إن هذا “التقييم المؤقت السريع يوفر مؤشرًا أوليًا إلى الحجم الكبير للاحتياجات في إطار التعافي وإعادة الإعمار بالقطاع”.
“الإسكان” الأكثر تضررًا.. واحتياجات ضخمة في قطاعات حيوية أخرى
بحسب التقرير الأممي، يمثل قطاع الإسكان النسبة الأكبر من الاحتياجات؛ لاحتياجه إعادة إعمار “أكثر من 60 في المائة من المساكن المدمرة” حوالي 15.2 مليار دولار، أي ما يقرب من 30% من إجمالي احتياجات إعادة الإعمار.
وتتوزع باقي الاحتياجات على قطاعات حيوية أخرى، تشمل: التجارة والصناعة (6.9 مليار دولار)، والصحة (6.9 مليار دولار)، والزراعة (4.2 مليار دولار)، والحماية الاجتماعية (4.2 مليار دولار)، والنقل (2.9 مليار دولار)، والمياه والصرف الصحي (2.7 مليار دولار)، والتعليم (2.6 مليار دولار).

شاهد عيان على الدمار.. “الاقتصاد اليوم” تلتقي المصور فادي الوحيدي في القاهرة
وفي قلب المشهد المأساوي، التقت “الاقتصاد اليوم” داخل مستشفى معهد ناصر بالقاهرة، بالمصور الصحفي الفلسطيني فادي الوحيدي، الذي أصيب أثناء تغطيته للعدوان على غزة.
فادي، الذي يمثل صوتًا من قلب المعاناة، روى لنا تفاصيل إصابته والتحديات التي واجهها، ليكشف الجانب الإنساني المروع خلف أرقام الدمار والإحصائيات.

وحيدي: أصبت أثناء تغطية نزوح المدنيين في الصفطاوي.. والقذائف تتساقط كالمطر
بدأ فادي الوحيدي، حديثه بوصف اللحظات التي سبقت إصابته، قائلًا: “أصبت في 9 أكتوبر 2024 بمنطقة الصفطاوي، بينما كنت أغطي حركة نزوح المواطنين من شمال قطاع غزة إلى غربه. كنت أوثق المشاهد من منطقة آمنة نسبيًا، وكان المدنيون يتدفقون، ولم يكن هناك ما يوحي بتهديد وشيك”.
ثم يصف اللحظات المأساوية التي تلت ذلك: “فجأة، تفاجأت أنا وبعض الزملاء بقذيفة تسقط قريبة منا. حاولت الاحتماء ودخلت شارعًا، ثم خرجنا مرة أخرى، وإذ بالقذائف تنهمر علينا بغزارة. في تلك اللحظة، فقدت وعيي تمامًا، لم أعد أشعر بشيء حتى أدركت أنني مصاب”.

“لا دعم دولي في غزة.. والاحتلال رفض إجلائي للعلاج 4 شهور”
وعند سؤاله عن الدعم الدولي، كشف الوحيدي عن غياب أي مساندة من المؤسسات الدولية في الميدان، قائلًا بأسى: “مؤسسات دولية دعمتني؟ لا، لم يقدم لي أي دعم من أي مؤسسة. بعد إصابتي، لم تكن هناك مؤسسات دولية متواجدة في شمال قطاع غزة تحديدًا. لم يكن هناك أي تواجد للمؤسسات الدولية في شمال قطاع غزة”.
وحول مساعي منظمة الصحة العالمية، أوضح “الوحيدي”: “منظمة الصحة العالمية حاولت مساعدتي في الإجلاء الطبي خارج قطاع غزة، لكن الاحتلال رفض بشكل قاطع. كانت هناك ضغوط من جهات خارجية لإخراجي لتلقي العلاج، لكن الاحتلال كان يصر على الرفض. بقيت أربعة أشهر كاملة في قطاع غزة، بينما المؤسسات الحقوقية والدولية تطالب بإجلائي، والاحتلال يرفض يوميًا”.
“مخاطر الموت تحاصر الصحفيين في غزة.. والقصف يتساقط بلا هوادة”
استرجع “الوحيدي” شهور عمله في الميدان منذ بداية الحرب، قائلًا: “منذ اليوم الأول للعدوان في السابع من أكتوبر وحتى لحظة إصابتي، كنت أعمل بلا توقف كصحفي في شمال قطاع غزة، أوثق وأغطي كل الأحداث”.
ثم وصف أهوال التغطية الميدانية والمخاطر الدائمة التي واجهها وزملاؤه: “كم مرة شعرت أنني في منطقة لن أخرج منها حيًا؟ هذا الشعور يلازم كل صحفي يعمل هناك. في إحدى المرات، كنا أنا وزملائي نغطي الأحداث، وكان فريق إسعاف ينقل مصابين، وبينما نحن نعمل، سقط صاروخ بجوارنا تمامًا، قريب جدًا. لم نكن نعرف إلى أين نفر. وفي مرة أخرى، خلال قصف بالحزام الناري، كنا في المستشفى الإندونيسي نغطي الأحداث، والقصف كان يسقط بجوارنا، كان حزامًا ناريًا كثيفًا وقويًا”.
ويضيف “الوحيدي” بصوت يعكس هول التجربة: “الحرب كلها عبارة عن مخاطر، كل لحظة كنا فيها نتعرض للخطر، لم يكن هناك مكان آمن، كنا نواجه خطر الإصابة أو الموت في أي لحظة”.
“بعدت عن أهلي في زمن الحرب.. والاتصال معدوم والقلق لا يفارقني”
انتقل الحوار إلى الجانب الإنساني؛ حيث تحدث “الوحيدي” عن تأثير الحرب في حياته وعلاقته بأسرته. قائلًا: “أعلم أن جميع الصحفيين كانوا بعيدين عن عائلاتهم، سواء زوجات وأبناء أو أمهات وإخوة. وضعي خلال الحرب، منذ 7 أكتوبر حتى إصابتي، كنت بعيدًا عن أهلي بشكل كبير. لم أكن أذهب إلى البيت إلا قليلًا، ربما مرة كل أسبوع أو عشرة أيام”.
ويصف صعوبة التواصل والاطمئنان على عائلته في ظل الظروف القاسية: “كنت أنا في الميدان. بالمستشفى الإندونيسي أو مستشفى كمال عدوان أو مستشفى العودة. وأهلي يكونون في المنزل أو نازحين في مكان ما، ولا أعرف مكانهم تحديدًا. كم مرة كنت أذهب إلى مناطق النزوح، وأكون في منطقة وهم بمنطقة أخرى. كان الاتصال صعبًا للغاية، لم أتمكن من رؤية أهلي إلا نادرًا خلال هذه الحرب”.
نزوح متكرر بحثًا عن الأمان الوهمي
وعن تجربة النزوح المريرة، كشف “الوحيدي” عن حجم المعاناة التي عاشها كمصور ونازح في آن واحد: “كم مرة نزحت؟ في كل مرة كنت أنزح. كم مرة تحديدًا؟ ربما سبع مرات أو عشر مرات، لا أستطيع العد. كنت أنزح كل شهرين تقريبًا، عندما يبدأ الاجتياح الإسرائيلي للشمال، كنا نضطر للخروج… ليس خارج الشمال بالكامل، ولكن من منطقة إلى أخرى داخل الشمال نفسه، بشكل مفاجئ… من منطقة إلى أخرى“.
كتبت: يارا زيدان
الرابط المختصر :