الفنان إبراهيم المحارب… من التراث النجدي إلى العالمية

الإبداع الحقيقي يولد من الذاكرة والتجربة الحية، لا من فراغ. وهذا ما يميز مسيرة الفنان السعودي إبراهيم عبد العزيز المحارب، الذي غادر بيته في سن الثانية عشرة حاملاً في قلبه وروحه ملامح الجدران القديمة وزخارفها الأصيلة. لم يكتسب التراث من الكتب أو الصور، بل عاشه بكل تفاصيله، حتى أصبح جزءًا من دمه وفنه.
كل عمل يقدمه المحارب يحمل بصمة الهوية النجدية، سواء في الحروف العربية، أو الظلال الخشبية، أو الزخارف التقليدية التي تطل من أعماله المعاصرة. لم يكن التراث بالنسبة له موضوعًا منفصلًا، بل مكوّنًا عضويًا في إبداعه، جعله مختلفًا عن غيره ممن يكتفون بدراسته، بينما هو أعاد صياغته بروح مبتكرة.
على مدار أكثر من ثلاثين عامًا، جمع المحارب بين فن الخط العربي والهوية النجدية في انسجام فني أصيل، أتقن الحروف كتابةً ورسمًا، وكتبها مئات المرات بيده. جاب المعارض والمتاحف والبلدات القديمة في آسيا وأوروبا وشمال إفريقيا، باحثًا عن المعرفة والجمال، ملتقطًا الصور، ومرسمًا المشاهد، ومعيدًا بنائها برؤيته الخاصة.
لم يكن التراث عنده مجرد حالة عاطفية أو حنين للماضي، بل مادة تصميمية قابلة للتطوير، ومصدرًا لإبداع يليق بالمستقبل. أسس مدرسة فكرية وفنية تقوم على مبدأ “ابدأ من الأصل، لا من الصورة”، فجعل من الحرف والتصميم والأثاث والجدار قطعًا تحمل توقيعًا سعوديًا فاخرًا، جديرة بالعرض في أرقى الأسواق العالمية.
إبراهيم المحارب لم يعبر من الماضي إلى الحاضر فقط، بل حمل الماضي معه إلى المستقبل، وصقله بالمعرفة، فزرع التراث النجدي في أرض العالمية، ليصبح كل عمل من أعماله شاهدًا على أن الفن الأصيل قادر على اختراق الحدود والوصول إلى القلوب حول العالم.