رائد عبد العزيز رمضان: لماذا يجب أن نهتم بالذكاء الاصطناعي الآن؟ – خليجي نيوز

في كل حقبة من التاريخ، كانت هناك قوة محركة تُعيد تشكيل العالم وتُعيد رسم ملامحه من جديد. ففي الثورة الصناعية، جاءت الآلة كمحركٍ للإنتاج والهيمنة الاقتصادية. وفي الثورة الرقمية، تصدّر الحاسوب المشهد ليفتح أمام البشرية آفاقًا غير مسبوقة من التواصل والمعرفة. أما اليوم، فنحن على أعتاب حقبة ثالثة لا تقل خطورة ولا أهمية، بل تُعد الأعمق تأثيرًا في حياة الأفراد والمجتمعات والاقتصادات: إنها ثورة الذكاء الاصطناعي.

ويؤكد الخبير والمفكر الاستراتيجي رائد عبد العزيز رمضان، المدير العام لشركة “ويكريت للحلول المتقدمة”، أن هذه الثورة ليست مجرد تطور تقني عابر، بل هي تحول بنيوي في نمط التفكير والإنتاج واتخاذ القرار، وتمثل فرصة هائلة للمستعدين، ومخاطرة عظمى للمتقاعسين.

عصر جديد يتجاوز الآلة

الذكاء الاصطناعي (AI) ليس مجرد “برمجة متقدمة” كما يعتقد البعض. إنه قدرة الأنظمة الحاسوبية على محاكاة عمليات التفكير البشري من تحليل وتعلّم واتخاذ قرار، بل وتوقّع ما لم يُقَل بعد. ويتجاوز الذكاء الاصطناعي حدود الميكنة التقليدية، ليدخل مرحلة “الذكاء المُتكيّف” الذي يتعلم من البيئة، ويتطور ذاتيًا بناءً على البيانات.

يرى رائد رمضان أن أهمية الذكاء الاصطناعي اليوم تتجلّى في ثلاثة مستويات:

  • الاقتصاد والتحول الصناعي
  • الأمن المعلوماتي والتحكم الاستراتيجي
  • الوعي المجتمعي وبناء القدرات البشرية

الاستثمار في الذكاء الاصطناعي: ضرورة لا ترف

خلال العقد الأخير، أصبحت تقنيات الذكاء الاصطناعي مكونًا أساسيًا في نماذج الأعمال الناجحة، سواء في وادي السيليكون أو في الخليج العربي. وتشير تقارير اقتصادية إلى أن حجم سوق الذكاء الاصطناعي عالميًا قد يتجاوز 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030.

ويُضيف رمضان، الذي يقود جهودًا لدمج الذكاء الاصطناعي في قطاعات مثل العقار، والخدمات اللوجستية، والتسويق الرقمي، أن “الدول التي تفشل في دمج الذكاء الاصطناعي في منظومتها الاقتصادية ستكون خارج معادلة التنافس خلال سنوات قليلة فقط”.

من الخيال إلى الواقع: كيف تطوّر الذكاء الاصطناعي؟

إذا عدنا إلى الجذور، فإن المفهوم ظهر بشكل أولي في خمسينيات القرن العشرين، حيث قدّم عالم الرياضيات البريطاني آلان تورينج اختبارًا شهيرًا لقياس قدرة الآلة على “التفكير”. تلت ذلك سلسلة من المحاولات النظرية والتجريبية، إلا أن التقدم كان بطيئًا نسبيًا، حتى بدأت مرحلة “شتاء الذكاء الاصطناعي” في السبعينيات والثمانينيات، حيث خيّب الذكاء الاصطناعي توقعات المستثمرين والعلماء على حد سواء.

لكن في العقدين الأخيرين، ومع الطفرات في قدرات المعالجة السحابية، وظهور الشبكات العصبية العميقة (Deep Learning)، شهد العالم قفزة نوعية قلبت الموازين، وولّدت ما يُعرف اليوم بـ “الذكاء الاصطناعي الضيّق” (ANI)، أي الأنظمة الذكية المتخصصة في مهام محددة، مثل توصيات الأفلام أو تحليل المشاعر أو تشخيص الأمراض.

رائد رمضان: كيف نستعد لموجة الذكاء الاصطناعي في المنطقة؟

وفقًا لرمضان، فإن السؤال الحقيقي ليس “هل سيغيّر الذكاء الاصطناعي حياتنا؟” بل “كيف نُعيد تصميم حياتنا لنواكب هذا التغيير؟”. ويرى أن الاستعداد يجب أن يكون على ثلاثة محاور:

  • أولاً: بناء القدرات المحلية عبر تأهيل المواهب الشابة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وتوفير بيئة تعليمية تحفّز الابتكار.
  • ثانيًا: دمج الذكاء الاصطناعي في عمليات الأعمال تدريجيًا، عبر مشاريع صغيرة تُظهر العائد وتُقنع صانع القرار.
  • ثالثًا: تبنّي إطار حوكمة وتشريعات ذكية تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنية.

ويؤمن رمضان بأن “التحول الذكي يبدأ من القمة”، أي من وجود رؤية قيادية تدرك أهمية الاستثمار في الذكاء الاصطناعي كأولوية وطنية، لا كمشروع تجريبي محدود.

الذكاء الاصطناعي بين الخطر والفرصة

رغم الوعود الكبيرة التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، إلا أن ثمة تحديات لا يمكن تجاهلها، مثل:

  • فقدان الوظائف التقليدية نتيجة الأتمتة المتسارعة
    • التمييز الخوارزمي في أنظمة التوظيف والقروض وغيرها
  • التحكم المفرط في البيانات الشخصية من قِبل الشركات العملاقة

ويُحذر رائد رمضان من أن “من لا يمتلك أدوات الفهم والضبط الأخلاقي لتقنيات الذكاء الاصطناعي، قد يجد نفسه تابعًا لا صانعًا، ومستهلكًا لا مستثمرًا”.

الذكاء الاصطناعي في السعودية والإمارات: نموذجان للتحول الذكي

في المملكة العربية السعودية، تتكامل “رؤية 2030” مع استراتيجيات الذكاء الاصطناعي الوطنية، حيث أُنشئت هيئات مستقلة مثل “الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)”، وتُطلق مشاريع ضخمة تعتمد على تقنيات AI في المدن الذكية، كـ “نيوم”.

أما الإمارات، فتُعد من أوائل الدول التي عيّنت “وزيرًا للذكاء الاصطناعي”، وتبنت رؤية طموحة تهدف لجعل AI في قلب جميع خدمات الحكومة بحلول عام 2031. ونجحت في دمج الذكاء الاصطناعي في قطاعات مثل التعليم والصحة والنقل، مدعومة ببنية تحتية رقمية رائدة.

ويكريت للحلول المتقدمة: الابتكار على أرض الواقع

تُعد شركة “ويكريت للحلول المتقدمة”، التي يرأسها رائد عبد العزيز رمضان، من أبرز النماذج الإقليمية التي طبقت الذكاء الاصطناعي في تحسين أداء الشركات، لا سيما في مجال التحول الرقمي، والتسويق الذكي، وتحليل البيانات الاستثمارية.

وقد أطلقت ويكريت مبادرات تعزز من استخدام نماذج الذكاء الاصطناعي في قراءة سلوك السوق، والتوصية بالقرارات التسويقية، وتحقيق النمو العضوي دون الاعتماد الكامل على الحملات الإعلانية المكلفة.

ويقول رمضان: “نحن لا نستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة تجميلية، بل كعقل تحليلي استباقي يدير البيانات، ويمنحنا ميزة تنافسية مستدامة”.

خاتمة: هل نحن مستعدون حقًا؟

ختامًا، يطرح رائد عبد العزيز رمضان سؤالًا لا بد من الوقوف أمامه:
هل نحن نُهيئ أبناءنا ومؤسساتنا واقتصاداتنا لمستقبل الذكاء الاصطناعي؟ أم ما زلنا نحاول التكيف مع الثورة الرقمية الماضية؟

الذكاء الاصطناعي ليس ترفًا ولا اتجاهًا مؤقتًا. إنه اللغة الجديدة للعالم، ومن لا يتقنها سيبقى خلف الركب، حتى وإن امتلك أفضل الموارد. والتحدي الحقيقي اليوم ليس في وجود الذكاء داخل الآلة، بل في حكمة الإنسان الذي يُوجهها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *