بريطانيا تطلق «معلش UK»… أول برنامج نفسي مجاني باللغة العربية لخدمة الجاليات

بريطانيا تطلق «معلش UK»… أول برنامج نفسي مجاني باللغة العربية لخدمة الجاليات:
نموذج عالمي جديد يربط بين الهوية الثقافية والرعاية النفسية في قلب أوروبا
لندن – الأحد 22 يونيو 2025
في لحظة فارقة في مسار العمل المجتمعي والصحي في أوروبا، وتحديدًا في بريطانيا، تم الإعلان رسميًا عن إطلاق مبادرة «معلش UK» كأول برنامج تدريبي مجاني ومتكامل للصحة النفسية باللغة العربية، موجّه للجاليات العربية المقيمة داخل المملكة المتحدة.
جاء ذلك خلال احتفال رسمي رفيع المستوى أقيم في فندق هيلتون سيون بارك بالعاصمة البريطانية لندن، وسط حضور لافت لشخصيات تمثل هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS)، ومنظمة Citizens UK، وعدد من النواب البريطانيين، والسفراء والدبلوماسيين العرب، وممثلي الجاليات.
رؤية إنسانية جديدة.. بلغة الناس
تنبع قوة هذه المبادرة من كونها الأولى من نوعها في أوروبا التي تقدم خدمات الصحة النفسية بلغة عربية واضحة، تتحدث بلسان الجالية، وتفهم نبضها وتحدياتها الخاصة. فقد لاحظ مؤسسو المبادرة – وهم من أبناء الجالية أنفسهم – أن مئات الآلاف من العرب المقيمين في بريطانيا يعيشون حالة من العزلة النفسية، غير القادرين على الوصول لدعم نفسي متخصص بلغة يفهمونها ويثقون بها.
من هنا، جاءت «معلش UK» لتسد هذا الفراغ، مقدّمةً نموذجًا بديلًا في الصحة النفسية يراعي الخصوصية الثقافية واللغوية، ويمنح المشاركين فرصة للشفاء والنمو النفسي في بيئة آمنة ومألوفة.
هيكل البرنامج: ثلاثية الدعم الشامل
يمتد البرنامج على مدار ستة أسابيع متواصلة، ويتضمن ثلاث مسارات تكاملية مصمّمة بعناية:
1. التثقيف النفسي: كسر الوصمة وتبسيط المفاهيم
يهدف هذا المسار إلى تبسيط المفاهيم النفسية الشائعة مثل القلق، الاكتئاب، الصدمات النفسية، والوسواس، بطريقة تدمج بين العلم الحديث والموروث الثقافي. الهدف هو تمكين المشاركين من فهم مشكلاتهم دون خوف أو خجل، والاقتراب من المساعدة النفسية بثقة.
2. مهارات الحياة والاندماج: أدوات للنجاة والازدهار
يتناول هذا المحور المهارات الأساسية التي يحتاجها أي مغترب للتكيف والنجاح، مثل: إدارة الضغوط، تعزيز التوازن بين العمل والأسرة، التعاطي مع صدمة الغربة، وكيفية التعامل مع النظام الصحي البريطاني (NHS) دون أن تكون اللغة عائقًا.
3. بناء شبكات الدعم المجتمعي: مجتمع يعالج نفسه بنفسه
من خلال مجموعات دعم مجتمعي صغيرة تُشرف عليها مختصات ومختصون عرب، يفتح البرنامج الباب أمام المشاركين لتبادل الخبرات وتكوين روابط إنسانية تُشكّل مصدر دعم مستمر بعد انتهاء التدريب، وتُسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا وتواصلًا.
مركز البداية… وانطلاقة نحو بريطانيا بأكملها
تنطلق أول دفعة من البرنامج في مركز Southwark Wellbeing Hub جنوب لندن، على أن يتوسع لاحقًا ليشمل ثلاث مدن جديدة بنهاية العام، استجابة للإقبال الكبير من أفراد الجالية العربية.
كما تم فتح باب التسجيل الإلكتروني للراغبين بالالتحاق بالبرنامج، والذي يُتوقع أن يشهد طلبًا واسعًا مع ازدياد الاهتمام بالوعي النفسي في أوساط العرب داخل المملكة.
قيادة نسائية.. تؤسس لجيل جديد من المبادرات
المبادرة جاءت بقيادة عربية نسائية ملهمة، تقودها كل من دينا محمود وإيناس الغروري، وهما من المقيمات العرب في بريطانيا، وتحملان خلفية في الصحة النفسية والعمل المجتمعي.
في كلمتها، قالت دينا محمود:
“هذه المبادرة ليست مجرد برنامج تدريبي. إنها رسالة أمل، ومنظومة دعم حقيقية يقودها أبناء الجالية لأجل الجالية. نحن نبحث عن معالجين عرب يشاركون في تقديم الجلسات تحت إشراف NHS، لنخلق كيانًا مستدامًا من داخل المجتمع.”
أما إيناس الغروري، فكشفت عن الجانب الشخصي وراء تأسيس المشروع:
“واجهتُ صعوبة شخصية في الوصول إلى دعم نفسي بلغتي. شعرتُ بالعجز. لكننا اليوم نحول هذه التجربة إلى قوة، إلى جسر يعبر عليه كل من يحتاج المساعدة.”
احتفاء رسمي ودبلوماسي
المبادرة حظيت بإشادة رسمية واسعة. فقد عبّر النائب مارك لوجران، عضو لجنة الصحة بمجلس العموم البريطاني، عن إعجابه بالمشروع، معتبرًا أنه “نموذج يُحتذى به في العدالة الصحية والاندماج المجتمعي”.
كما وصف أحد السفراء العرب المبادرة بأنها “جسر حضاري حقيقي”، قائلاً:
“هي مبادرة تُجسّد الاحترام المتبادل بين الهوية الثقافية العربية والنظام الصحي البريطاني. إنها بداية لعصر جديد من التفاهم والتعاون.”
احتفال موسيقي يربط الروح بالهوية
واختُتم الحفل بأمسية موسيقية رائعة أحيتها فرقة London Arab Orchestra، التي عزفت مقطوعات كلاسيكية من مصر ولبنان وسوريا، ما أضفى أجواءً دافئة ومليئة بالحنين والانتماء، عبّرت عن شعار المبادرة “A Life Well Lived”.
خطط توسعية جريئة: من لندن إلى العالم
أعلنت المؤسستان عن خطة توسعية مستقبلية طموحة تشمل:
إطلاق منصة رقمية متكاملة تحتوي على فيديوهات وبودكاستات وبرامج دعم ذاتي باللغة العربية.
تصميم مسارات خاصة لفئات مختلفة مثل المراهقين والأمهات واللاجئين، بالتعاون مع المدارس والمنظمات المحلية.
تنظيم مؤتمر سنوي دولي في 2026 يجمع أبرز المختصين العرب في الصحة النفسية من مختلف دول أوروبا والعالم العربي.
كلمة الختام: من “معلش” إلى “ممكن”
اختتمت دينا محمود الحفل بكلمة أثارت إعجاب الحضور:
“بدأنا من كلمة صغيرة… «معلش». تلك الكلمة التي نستعملها لنخفف عن أنفسنا ونصبر. لكنها اليوم أصبحت بداية مشروع كبير يُعيد التوازن لحياة المئات، وقد يمتد ليغير آلاف الأرواح في المستقبل. «معلش UK» هو الأمل القادم بلغة القلب.”