كريم بدران : جورجيا -إذا كنت تؤمن بنفسك، فإن صوت المشككين يصبح غير مهم. النجاح يبدأ من داخلك
كريم بدران : جورجيا -إذا كنت تؤمن بنفسك، فإن صوت المشككين يصبح غير مهم. النجاح يبدأ من داخلك
بصفتي رائد أعمال ومطورًا عقاريًا في جورجيا،
أقول لكم: إذا كنت تؤمن بنفسك، فإن صوت المشككين يصبح غير مهم
في تبليسي، حيث تلتسم الهندسة الحديثة مع التاريخ العريق، أتذكر بدايتي. لم تكن تلك البداية في قصور مترفة، بل في غرفة صغيرة بمدينة عربية، أدرس فيها خرائط مشاريع حلمت بها بينما كان المحيطون بي يرددون: “السوق مشبعة”، “المخاطر كبيرة”، “ابحث عن وظيفة آمنة”. اليوم، وأنا أرىالمشروعات التي شاركت في بنائها تلمع تحت شمس القوقاز، أدرك أن الدرس الأكبر في رحلتي لم يكن في فنون التسويق أو الهندسة، بل كان جملة واحدة: النجاح يبدأ من داخلك.
لم يأتِ انتقالي إلى جورجيا من فراغ، بل كان قرارًا نابعًا من إيمان راسخ بفرصة لم يرها الكثيرون. قبل عقد من الزمن، كانت النظرة السائدة أن هذا البلد مجرد وجهة سياحية خلابة. لكنني نظرت إلى أبعد من ذلك: رأيت استقرارًا ناشئًا، واقتصادًا منفتحًا، وموقعًا جيواستراتيجيًا فريدًا. سمعت أصوات المشككين تتردد: “ثقافة وعادات مختلفة”، “سوق غير مفهوم”. ولكن الإيمان الداخلي بالمشهد كان أقوى. لم يكن ذلك إيمانًا أعمى، بل قناعة وُلدت من دراسة عميقة، وشغف أكبر، واستعداد لتقبل المخاطرة المحسوبة.
فالرحلة نحو أي إنجاز حقيقي تبدأ بمعركة داخلية. معركة بين ذلك الصوت الداخلي الواثق الذي يرى الاحتمالات، وتلك الأصوات الخارجية التي تزرع بذور الشك. في مجال التطوير العقاري، وخاصة في سوق ناشئ، فإن الشك هو العدو الأول. أتذكر أول عطاء كبير خضته. كانت الأرقام ضخمة، والمنافسة شرسة، والتوقعات متشائمة. لو استمعت إلى “المنطق” السائد آنذاك، لانسحبت. لكنني آمنت بحساباتي، وبفريقي، وبقدرة جورجيا على استيعاب المشروع. وفزنا بالعطاء. ذلك المشروع أصبح اليوم معلماً، ولم يعد أحد يذكر تلك الأصوات المشككة التي تلاشى صداها تحت وطأة النجاح.
هذا لا يعني أنني لم أرتكب أخطاء. بالطبع ارتكبت. لكن الإيمان بالنفس ليس تكبرًا أو ادعاءً بالمعصومية. على العكس، فهو ما منحني القوة للاعتراف بالخطأ، والتعلم منه بسرعة، والمضي قدمًا دون أن أفقد البوصلة. الإيمان الداخلي هو المحرك الذي يدفعك لتحويل الفشل إلى خطوة على السلم، وليس حفرة لا قاع لها.
للمشككين دورهم، فهم يختبرون متانة قناعتك. في بداية مشاريعي هنا، قالوا: “أجنبي لن يفهم النظام”. فدفعني ذلك لتعلم اللغة وفهم الثقافة بعمق. قالوا: “الزمولني (العملة المحلية) متقلبة”. فتعاملنا مع خبراء ماليين لبناء استراتيجيات تحوط ذكية. بمعنى آخر، لم أهمش أصواتهم بتاتًا، بل استخدمتها كمنبهات لأضعف نقاطي. لكنني لم أسمح لها أبدًا أن تقود القرار. القيادة كانت دائمًا لتلك القناعة العميقة التي تقول: “هناك طريق، وسأجده”.
اليوم، وأنا أتحدث إلى الشباب الطموح، خاصة في عالمنا العربي، أقول لهم: ابحثوا عن فرصكم حتى في الأماكن غير التقليدية. لا تنتظروا شهادة أحد. ادرسوا، تحلوا بالشجاعة، واغرسوا ذلك الإيمان في داخلكم. النجاح ليس فقط امتلاك خطة عمل مثالية، بل هو أن تمتلك الروح التي ترفض أن تنكسر أمام أول “لا” تسمعها. العالم يتغير، ومراكز النمو تتحول. جورجيا كانت فرصتي، وفرصكم قد تكون في مكان آخر، ولكن القاسم المشترك هو ذلك المحرك الداخلي.
في نهاية المطاف، الأبراج التي نبتنيها من حجر وحديد هي في الحقيقة تجسيد لأفكار آمنّا بها يومًا. لا يوجد مشروع يبدأ على الورق، كل مشروع يبدأ أولاً في عقل وقلب شخص ما يؤمن بأن المستحيل مجرد كلمة تنتظر أن يُكتب فوقها: “تم التحقق”. صوتك الداخلي عندما يكون صادقًا ومستنيرًا، يصبح أقوى سلاح تملكه. حينها، وبكل بساطة،يختفي صوت المشككين في ضجيج النجاح الذي تصنعه.



