الإخوة ليسوا دائمًا سندًا: بين الغيرة والمقارنة والاستغلال… وكيف نعيد التوازن بين الحب والمنافسة

الإخوة ليسوا دائمًا سندًا: بين الغيرة والمقارنة والاستغلال… وكيف نعيد التوازن بين الحب والمنافسة
بقلم: د. منى منصور – أخصائية نفسية ومدربة مهارات
في الوعي الجمعي لمجتمعاتنا، تُصوَّر علاقة الإخوة على أنها خط أمان أبدي، ورصيد من المساندة والمحبة غير المشروطة. لكن الحقيقة الإنسانية أكثر تعقيدًا من الصورة المثالية. فهناك بيوت تمتلئ بالحب، وبيوت أخرى ينهشها التنافس، وتتعثر فيها القلوب بين الغيرة والمقارنة والاستغلال العاطفي، حتى يفقد مفهوم “السند” معناه.
توضح د. منى منصور، الأخصائية النفسية ومدربة المهارات، أن العلاقات بين الإخوة قد تصبح أحيانًا ساحة صامتة لصراعات لا تُقال… لكنها تُشعر، وتُرهق، وتؤذي. فالتربية غير المتوازنة، والمقارنات المستمرة بين الأبناء، والضغط العاطفي داخل الأسرة قد يولّد شرخًا يتسع مع الزمن إن لم يُعالج بوعي.
أولًا: الغيرة بين الإخوة… حين يتحوّل القرب إلى تنافس
تبدأ الغيرة غالبًا من سنوات مبكرة؛ حين يشعر الطفل أن الحب يُقاس بالإنجاز، وأن مكانته في الأسرة مهددة بإنجازات أخيه أو قربه من أحد الوالدين.
وتشير د. منى منصور إلى أن الغيرة ليست شعورًا سلبيًا بقدر ما هي إشارة إلى حاجة لم يتم تلبيتها، سواء كانت حاجة للاهتمام، أو للشعور بالقيمة، أو للحماية.
لكن تراكم هذا الشعور دون احتواء قد يحوّل العلاقة من علاقة مشاركة إلى علاقة صراع مكتوم.
ثانيًا: المقارنة… أخطر طرق التربية وأكثرها تدميرًا
تؤكد د. منصور أن المقارنة بين الإخوة ليست محفزًا للنجاح؛ بل وصفة جاهزة لخلق الحقد، وتدمير تقدير الذات، وبناء فجوة طويلة الأمد.
فالطفل الذي يشعر أن عليه أن “يكون مثل أخيه” يفقد حقه في أن يكون نفسه، ويبدأ في بناء علاقة مشوهة مع ذاته ومع الآخرين.
ثالثًا: الاستغلال بين الإخوة… حين يصبح الحب أداة ضغط
الاستغلال قد يأتي في صورة Emotional manipulation أو تحميل أحد الإخوة فوق طاقته، أو استغلال الطيب والمتسامح دائمًا.
وتشدّد د. منصور على أن هذا النوع من العلاقات يولِّد تشوهًا عاطفيًا خطيرًا، لأنه يجمع بين الحب والضغط، وبين الواجب والشعور بالذنب.
وهو ما يجعل الشخص غير قادر على وضع حدود صحية خوفًا من خسارة العلاقة.
كيف نعيد التوازن بين الحب والمنافسة؟
تقدم د. منى منصور مجموعة من الإرشادات التي تعيد للعلاقة بين الإخوة معناها وقيمتها الحقيقية:
1. الاعتراف بالمشاعر بدلًا من إنكارها
المشاعر السلبية بين الإخوة ليست عيبًا، بل جزء من التجربة العائلية. الاعتراف بها أول خطوة للشفاء.
2. إيقاف المقارنات بشكل قاطع
لكل ابن شخصية ومسار وقدرات مختلفة. المقارنة لا تصنع الأفضل… بل تصنع البعيد.
3. بناء الحدود الصحية داخل الأسرة
“لا” ليست كلمة عقوق.
هي كلمة حماية.
ويجب أن يتعلم كل فرد أن يضع حدًا لأي شكل من أشكال الاستغلال العاطفي.
4. تعزيز ثقافة التعاون بدل المنافسة
من المهم تحويل طاقة الغيرة إلى عمل إيجابي، وخلق مساحات مشتركة تُعلّم الإخوة أن النجاح لا يلغي الآخر بل يدعمه.
5. جلسات المصارحة المنظمة
تنصح د. منصور باللجوء لجلسات حوار عائلي بإشراف متخصص، لتفريغ التوترات القديمة وإعادة هيكلة العلاقة على أساس صحي.
خاتمة: علاقة تستحق الإصلاح لا الإنكار
الإخوة ليسوا دائمًا سندًا… لكن يمكن أن يصبحوا كذلك.
والمنافسة ليست دائمًا ضارة… لكن يمكن أن تتحول إلى طاقة بناء إن تم إدارتها بوعي.
والأسرة التي تعترف بمشكلاتها لديها فرصة أكبر لبناء علاقات صحية، أصلب، وأصدق.
تختتم د. منى منصور بأن الحب بين الإخوة ليس افتراضًا جاهزًا… بل مشروعًا يحتاج إلى رعاية، وحكمة، ووعي مستمر.
وحين ندرك ذلك، نستطيع أن نحول الغيرة إلى نضج… والمقارنة إلى تقبّل… والاستغلال إلى حدود واضحة… لتعود الأخوة كما يجب أن تكون: علاقة تُرمّم النفوس، لا تكسرها.



