من هارلم إلى غزة.. مالكوم إكس حي في كلمات إبرام كيندي – خليجي نيوز

في مئويته يحضر صوت المناضل الأميركي مالكوم إكس (ولد 19 مايو/أيار 1925) ليس عبر خطاب ناري أو مظاهرة حاشدة، بل من خلال كتاب جديد موجّه إلى جيل وُلد في عالم مختلف، لكنه يواجه أسئلة الوجود ذاتها: من نحن؟ وما الذي نستحقه؟ وكيف نغيّر العالم؟
وفي حوار مع برنامج “ذا تيك” للجزيرة الإنجليزية، يتحدث المؤرخ الأميركي البارز إبرام إكس كيندي عن عمله الأخير “مالكوم حي.. السيرة الرسمية للقراء الشباب”، راسما صورة مختلفة لشخصية تاريخية أيقونية، ويطرح سؤال: كيف يمكن لإرث هذا القائد الثوري أن يلهم عالمنا وأن يرشد خطوات جيل جديد يبحث عن الحقيقة والعدالة؟
يجيب على هذا السؤال المؤلف الحائز على جوائز عديدة والمعروف بأعماله العميقة حول العنصرية ومناهضتها، في كتابه الذي يمثل ثمرة تعاون وثيق مع إلياسا شباز ابنة مالكوم ومؤسسة مالكوم إكس.
لقاء الشخصي بالتاريخي
لم تكن رحلة كتابة “مالكوم حي” مجرد بحث أكاديمي لكيندي. فقد تزامنت مع تحديات شخصية ومهنية عميقة للمؤلف، بما في ذلك انتقادات لقيادته مركز أبحاث مناهضة العنصرية بجامعة بوسطن ومعركته مع سرطان القولون. يعترف كيندي بصدق “من المثير للاهتمام أنني مررت بتلك الرحلة بينما كنت أكتب هذه السيرة الذاتية لمالكوم إكس. لأن مالكوم إكس انتهى به الأمر مقتولاً على يد أعضاء من جماعة “أمة الإسلام” كانوا ينتقدون قيادته بشدة”.
ويضيف كيندي، مستلهمًا صمود مالكوم، “لم يكن ذلك ليشمل مستوى الهجمات التي واجهها من الأشخاص الذين أرادوا الحفاظ على العنصرية، وهكذا حاولت، بعدة طرق، بينما كنت أواجه هذا الرد الفعل العنيف الشخصي، ألا آخذه على محمل شخصي، وأعتقد، بعدة طرق، أن ذلك ربما جعل الكتاب أفضل. لأنني كان بإمكاني أن أستشعر إلى حد ما ما كان يواجهه مالكوم، خاصة في السنوات القليلة الأخيرة من حياته”.
من هارلم إلى غزة
يمتد إرث مالكوم إلى ما هو أبعد من الحدود الأميركية، وهو جانب يحرص كيندي على إبرازه. يؤكد أهمية زيارة مالكوم لقطاع غزة عام 1964، التي “أثرت فيه وألهمته حقًا” ودفعته إلى تحدي الصهيونية الإسرائيلية.
ويرى أن النقطة المشتركة للتضامن بين الحركات المناهضة للعنصرية عالميًا هي “أن الإمبريالية تُبرر عادةً من خلال تجريد الجماعات المعينة التي تتعرض للفصل العنصري أو الاستعمار الاستيطاني أو الإبادة الجماعية من إنسانيتها، سواء كان هؤلاء الأشخاص عربا أو سودًا أو آسيويين”.
الإمبريالية تُبرر عادةً من خلال تجريد الجماعات التي تتعرض للفصل العنصري أو الاستعمار الاستيطاني أو الإبادة الجماعية من إنسانيتها، سواء كان هؤلاء الأشخاص عربًا أو سودا أو آسيويين.
يضيف كيندي بحرقة وألم، مشيرًا إلى اللغة المستخدمة في الحرب اليوم، “كان لديك فلسطينيون وُصفوا حرفيا بأنهم حيوانات بشرية. كما وُصف السود بأنهم حيوانات بشرية، أعتقد أننا بحاجة إلى ربط ذلك بما يتجاوز الحدود لبناء حركة عالمية متعددة الأعراق ومناهضة للعنصرية تتحدى الإمبريالية أينما كانت”.
أعتقد أننا بحاجة إلى ربط وصف الفلسطينيين والسود بحيوانات بشرية بما يتجاوز الحدود لبناء حركة عالمية متعددة الأعراق ومناهضة للعنصرية
تتحدى الإمبريالية أينما كانت
مالكوم إكس في عيون كيندي
ولد مالكوم إكس، واسمه الحقيقي مالكوم ليتل، عام 1925 لأب راهب يدعى إيرل ليتل، كان يعتقد أن السود لن يحظوا بحريتهم وأن عليهم العودة إلى أفريقيا، وقتل أبوه في جريمة لم يعرف فاعلها، وكان مالكوم حينها في الخامسة من عمره، ووضعت أمه في مستشفى للأمراض العقلية، وعاش طفولة مليئة بالمصاعب والفقر إلى أن سُجن عام 1946 بتهمة السرقة.
انضم مالكوم إلى حركة “أمة الإسلام” التي كان يتزعمها إليجا محمد، عند خروجه من السجن عام 1952، وساهمت شخصيته القيادية وقدراته الخطابية في ترقيته وصعوده إلى مصاف الشخصيات البارزة في الحركة. انفصل عن الحركة عام 1964 بسبب خلافات فكرية مع زعيمها حول أساليب العمل والنظرة إلى الدين.
وأكد خلال الفترة الأخيرة من حياته على ضرورة فهم الإسلام من أجل حل المشاكل العرقية بالمجتمع الأميركي، وعلى الدفاع عن حقوق الإنسان على أساس أخوة الأعراق جميعها، وتسمى في هذه المرحلة بـ”الحاج مالك الشباز”. وقبل أسبوع من اغتيال مالكوم تعرّض منزله في كوينز للقنابل النارية أثناء نومه هو وزوجته وبناته الأربع.
وبعد 55 عامًا من مقتله يوم 21 فبراير/شباط 1965، تمت إعادة التحقيق في الحادث والذي طالما أثيرت الشكوك حول نزاهته، واعتبر باحثون ونقاد أنه أدان بصورة خاطئة الرجال وأرسلهم إلى السجن. ووردت بعض الأدلة الجديدة في فيلم وثائقي من ستة أجزاء بعنوان “من قتل مالكولم إكس؟” عرضته نتفليكس في 7 فبراير/شباط 2020، ويفترض الوثائقي أن اثنين من المدانين بقتل مالكوم إكس لم يكونا في الصالة التي سميت لاحقا “مركز شباز” وكانت مسرح الحدث ذلك اليوم.
لكن بالنسبة لكيندي، لم يكن مالكوم إكس مجرد شخصية تاريخية، بل كان -كما يصفه- “أحد أكثر الثوريين إلهامًا وشجاعة، من الثوريين الأميركيين الأفارقة والخطباء في القرن العشرين”. ويستطرد كيندي في وصفه قائلاً إنه كان “شخصًا شجع السود على حب أنفسهم، وجادل عالميًا بأن الإسلام دين حب وحقوق إنسان”. الأهم من ذلك، يرى كيندي أن مالكوم كان “شخصًا لديه القدرة على الوصول إلى جذور مشاكلنا السياسية والشجاعة للتحدث بصدق عن تلك المشاكل وتشجيع الناس على تغييرها”.
مع وجود العديد من الكتابات حول مالكوم، بما في ذلك سيرته الذاتية الشهيرة التي شكلت وعي أجيال، ما الجديد الذي يقدمه “مالكوم حي”؟ يوضح كيندي: أعتقد أن كتاب “مالكوم حي” يعتمد بشكل كبير على مشاهد من حياة مالكوم إكس كونه يسمح للقراء الشباب وحتى الأكبر سنًا بالحصول حقًا على رؤية شاملة لما كان يواجهه مالكوم ويفكر فيه ويقوله ويغيره في لحظات رئيسية معينة في حياته.
الكتاب، كما يؤكد كيندي، يهدف إلى ربط إرث مالكوم باللحظة الراهنة، “تلك اللحظات، تلك الأماكن، تلك الكلمات، تلك الأفكار ترتبط بشكل روتيني بالحاضر والآن حتى يتمكن الناس من رؤية كيف تعيش رسالة مالكوم، وكيف أن إرثه ذو صلة بواقعنا المعاصر”.
ولعل أبرز ما يميز هذا العمل هو التركيز غير المسبوق على نشأة مالكوم، تلك الفترة التكوينية التي غالبًا ما تُختزل.
يكشف كيندي “لقد قضيت وقتًا طويلا في توثيق حياة مالكوم الشاب، هذا الشاب الذي فقد والده ووالدته، واضطر إلى الانتقال عدة مرات، وتعرض للتنمر في المدرسة، واضطر إلى الدخول إلى دور الاحتجاز، وواجه الفقر والجوع، وتحطمت أحلامه وسُجن. لذا فإن العديد من الأشياء التي يمر بها الشباب، واجهها مالكوم هو شاب”.
ولإضفاء المزيد من الحيوية على هذه الفترة، يتضمن الكتاب -كما أشارت المحاورة ناتاشا ديل تورو- “آثارًا من حياته شابًا لم تُشاهد من قبل”، بما في ذلك ملاحظات شخصية وصور فوتوغرافية تُظهر مالكوم “كشخص عادي يمر بأشياء صعبة”، مما يجعله أقرب وأكثر إنسانية للقارئ الشاب.
“لا يمكنك فصل السلام عن الحرية، لأنه لا يمكن لأحد أن يكون مسالماً ما لم يكن حرا”
مالكوم إكس #قالوا | #الوثائقية | pic.twitter.com/nUp62N8Vpe— الجزيرة الوثائقية (@AljazeeraDoc) October 21, 2016
عالم مالكوم وعالمنا
الكتاب، الذي صدر بالتزامن مع ما كان يمكن أن يكون ذكرى عيد ميلاد مالكوم المئة، وبعد 60 عامًا على اغتياله، يطرح سؤالاً ملحا: هل تغير العالم حقًا؟ يرى كيندي بأسف وجود “عدد من أوجه التشابه المؤلمة حقًا” بين عصر مالكوم وعصرنا.
يستذكر كيندي كيف كان يُنظر إلى مالكوم “عندما عبر أشخاص مثل مالكوم إكس عن مساواة الجماعات العرقية أو تحدوا العنصرية بشكل مباشر، لم يُوصف بأنه شخص يحاول ضمان أن يكون للسود سلطة على مجتمعات السود. لقد وُصف بأنه من دعاة تفوق العرق الأسود، وُصف بأنه مناهض للبيض”.
ويقارن ذلك بحدة بالوضع الراهن: “نحن نعيش في وقت حاليًا عندما يقول الناس إن حياة السود مهمة أو إنهم يحاربون العنصرية يُعاد تصويرهم كأنهم بطريقة ما مناهضون للبيض، كما لو أنه لا يوجد سيناريو يمكننا فيه جميعًا أن نعيش بشكل جماعي مع حقوق الإنسان والاحترام المتبادل”.
وفي سياق الهجمات الراهنة على مبادرات التنوع والإنصاف والشمول، وحظر الكتب التي تستهدف بشكل خاص تاريخ السود ومراقبة كيفية تدريس هذا التاريخ، وهي أمور شهدها كيندي بنفسه كهدف لها، يصبح صوت مالكوم أكثر إلحاحًا.
يقول كيندي، مستشهدًا بخطاب لمالكوم عام 1962 وجّهه للسود، “من علمكم أن تكرهوا العرق الذي تنتمون إليه؟ عندما لا تتمكن من التعرف على تاريخ السود، سيؤدي ذلك في النهاية إلى أن تكره نفسك أو تكره هؤلاء السود. وهكذا نرى الشيء نفسه اليوم، الآثار السلبية للجهل التاريخي”.
ورغم الصدمة من سرعة التحول من “صيف احتجاجات جورج فلويد” وما صاحبه من “صحوة عرقية” إلى الهجوم الحالي، يرى كيندي أن هذا النمط للأسف مألوف تاريخيًا في أميركا: “حدث هذا عدة مرات على مدار التاريخ الأميركي، حيث كانت هناك جهود، وأولئك الذين أرادوا الحفاظ على العنصرية، عادة ما استجابوا بحماس لإقناع شريحة من الأميركيين بمقاومتها كما لو كانوا يحمون أنفسهم. بينما في الواقع، انتهى بهم الأمر بدعم حركة سياسية قوضتهم هم أيضًا”.
الشجاعة مفتاح التحرر
إذن، ما رسالة مالكوم للشباب اليوم، الذين يكتشفونه لأول مرة عبر صفحات “مالكوم حي”؟ يجيب كيندي بحسم وثقةٍ “أعتقد أن رسالته ستكون أن يكونوا شجعانًا. أن يكونوا شجعانًا، خاصة في هذه اللحظة التي لدينا فيها سلطة دولة تحاول بث الخوف، ومالكوم بطريقة ما تمكن من أن يكون شجاعًا، وأدرك أنه إذا لم تكن متحررًا، فبعدة طرق، فأنت لست على قيد الحياة”.
يختم كيندي رؤيته لإرث مالكوم الخالد ورسالته للجيل الحالي قائلا “في النهاية، مات برسالة حقوق الإنسان، رسالة تشجع الناس في جميع أنحاء العالم على النضال من أجل الحقوق التي يجب أن يحصلوا عليها بوصفهم بشرا، وهكذا عندما نفكر فيمن يمكن أن نكون، وما يجب أن نكون عليه في هذه اللحظة لتحرير أنفسنا، يمكننا أن ننظر إلى مالكوم إكس”.